يحتفل العالم في كل عام باليوم العالمي للإعاقة في الثالث من شهر كانون أول، ويعتبر الأردن من الدول التي تولي الأشخاص ذوي الإعاقة جُلّ اهتمامها في كافة القطاعات وقد تجلى هذا الاهتمام بالجهود المستمرة للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات العالمية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ورسم السياسات التي تضمن حصولهم على حقوقهم في كافة المجالات، وقد التقى جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه هذا العام بعدد من المتميزين منهم وأكد على دعمه لهم وفخره واعتزازه بمبادراتهم القيمة.
و”الأردنية” التي لم تقترن صفة “الأم” بها عبثا؛ آمنت بما آمن به أبناؤها من ذوي الإعاقة منذ صغرهم، حيث لم يأخذ الله منهم شيئا إلا ليعطيهم ما هو أفضل عونا لهم لبلوغ أهدافهم، ووقفت معهم حين قرروا تحدي إعاقتهم، وكانت جسرا لهم لتحقيق ذلك، وعززت لديهم ذلك الشعور بقدرتهم على إثبات أنهم أصحاب إرادة وإصرار، وأنهم قادرين على قضاء حياتهم مثلهم مثل باقي الناس ممن لم يُعقهم شيء في الوصول إلى أحلامهم وصعود سلالم النجاح.
وفي حاجة للوقوف على دور المؤسسات الأكاديمية في تسهيل العملية التعليمية على هؤلاء الطلبة، سيّما وأن دمجهم في مجتمع الجامعة يعد أهم المراحل التي تؤهلهم للاندماج في المجتمع ككل؛ كان لإعلام الأردنية هذا اللقاء مع بعض أساتذة الجامعة للحديث عن أبرز النقاط المهمة في هذا الدور.
أستاذة العلاج الطبيعي في الجامعة الدكتورة عالية الغويري، بدأت بالقول إن دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع الأردني واجب وطني يقع على عاتق جميع القطاعات لضمان انخراطهم الفعال في المجتمع، وذلك تأكيدا على دورهم في التنمية المستدامة، مشددة على ضرورة تهيئة البنية التحتية اللازمة للوصول إلى دمج كامل وحقيقي لمختلف أنواع الإعاقات.
وأضافت الغويري أن أبرز المعيقات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية تتمثل بعدم توفر التسهيلات البيئية في المباني والمرافق وحتى وسائل النقل العام والتي يحتاجونها للوصول الى أماكن دراستهم أو عملهم أو حتى للسير بأي معاملة حكومية.
أما عن ذوي الإعاقة السمعية فمشكلتهم أكبر كما ترى الغويري، وتكمن بعدم إلمام عامة الناس بلغة الإشارة التي يتواصلون بها مع الآخرين وهي اللغة الوحيدة التي يستطيع من خلالها “الصم والبكم” إيصال أفكارهم واحتياجاتهم للجميع.
وتابعت، فيما يتعلق بذوي الإعاقة البصرية فالتحديات التي يواجهونها تتعلق في البيئة غير المُهيأة للسير باستخدام العصا البيضاء، وعدم توفر لغة برايل أو الخدمة الصوتية التي تساعدهم على التعامل مع المرافق العامة بيسر وسهولة.
ولفتت الغويري إلى أن التحديات التي تواجه ذوي الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية في مؤسسات التعليم العالي مختلفة ومتنوعة، وعليه فإن هناك حاجة لوضع استراتيجية متكاملة من قبل المؤسسات الأكاديمية لتسهيل العملية التعليمية على الطلبة ذوي الإعاقة ودعمهم وتطوير طاقاتهم بهدف دمجهم في مجتمع الجامعة الذي يؤهلهم للاندماج في المجتمع ككل، مشددة أن من أهم هذه التدابير هو توفير التقنيات والمواد التعليمية المناسبة لكل إعاقة، وكذلك تدريب مقدمي الخدمة التعليمية وتوعيتهم باحتياجاتهم لتسهيل دمجهم في العملية التعليمية بنجاح.
من جهته أشار الدكتور نزيه غطاشة إلى أن أحد أهداف العملية التعليمية هو ضمان امتلاك المتعلم للخبرات والمهارات المختلفة وجعله قادرا على الانخراط في سوق العمل حيث يفترض أن يساهم التعليم الدامج لذوي الإعاقة في تعزيز قدرتهم على التكيف مع بيئة العمل بما يرفع القدرة على خلق بيئة إيجابية تسودها قيم التنوع والدمج الفعال.
وأكد غطاشة أن انخراط ذوي الإعاقة في عملية تعليمية دامجة ومصاغة بشكل مناسب يعد من لبنات بناء مجتمع يسعى إلى تجاوز الفروقات الفردية بغض النظر عن نوعها وتعزيز فكرة التكاملية.
وأوضح أنه على الرغم من أن سوق العمل يتطلب مستوًى معينًا من مهارات وقدرات يصعب تحقيقها في التعليم الخاص لذوي الإعاقة، فإن الحل الأمثل هو التعليم الدامج الذي يفتح المجال للإبداع ورفع مستوى التحصيل الأكاديمي والتحفيز للانخراط في سوق العمل بقدر أكبر من المساواة، منوها هنا بأن تصميم العملية التعليمية يجب أن يحقق العديد من متطلبات سوق العمل والتي بدورها يجب أن تتماشى مع القوانين والتشريعات النافذة.
وبالرغم من العديد من العقبات في مجال البيئة التعليمية لا سيما في زمن تتسارع فيه الحياة وتكثر فيه المخاطر غير المتوقعة والتي تلقي بعبء مضاعف على كاهل الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن هناك العديد من الفرص لتذليل هذه العقبات وضمان تعليم دامج يتلائم مع المتغيرات في متطلبات سوق العمل، بحسب غطاشة.
وقال “لا شك أن العملية التعليمية تلعب دورا حساسا في التهيئة النفسية لذوي الإعاقة ونظرائهم من الطلبة لرفع قدرة البيئة التعليمية وزيادة نسبة التفاعل لتحقيق متطلبات سوق العمل، خاصة في مجالات العمل الجماعي والتواصل والحماس للتعليم المستمر” مضيفا أنه لتحقيق ما سبق ذكره؛ فعلى تصميم العملية التعليمية أن تُعنى بضوابط الجودة النابعة من سوق العمل واحتياجاته، إلى جانب استغلال التكنولوجيا الحديثة ضمن أبعاد تتخطى إلى أقصى حد ممكن الصورة النمطية أو السطحية لدور التكنولوجيا في التعليم.
من جهة أخرى أشار الدكتور خالد الدبعي إلى أن تكنولوجيا التعليم تعد من أهم الوسائل التي تُسهم في تحفيز الطلبة من ذوي الإعاقة على التفكير والإبداع، حيث تتوفر أجهزة وبرمجيات ونظريات تعليمية يمكنها أن تسهل التعلم وتحسن الأداء لهؤلاء الطلبة وتعطيهم القدرة الكاملة على الاستقلال بأنفسهم في العملية التعليمية والتقدم في مجال التعليم.
وقال الدبعي إن تطبيق وتوفير تكنولوجيا التعليم للطلبة من ذوي الإعاقة له العديد من الإيجابيات التي تُفيدهم سواء من الناحية النفسية أم الأكاديمية أم الاجتماعية أم الاقتصادية التي تعالج بحد كبير الفروقات الفردية التي تظهر بوضوح بين أفراد الفئة الواحدة.
واستشهد الدبعي بمثال لإحدى الدراسات العلمية التي أثبتت أن استخدام بعض التقنيات كالحاسب الآلي يُسهم وبشكل كبير في خفض التوتر والانفعالات لدى الطلبة؛ وهو ما يؤكد مداخلته، حيث يتمثل دور التكنولوجيا في التعليم للطلبة ذوي الإعاقة بتقديم الرؤى المستقبلية والخدمات التي تسعى إلى تنشيط قدراتهم العقلية والبرامج التعليمية الخاصة والحلول الإبداعية المبتكرة لمشكلات التعليم.
ووصولا للحديث مع منسق مشروع إيراسموس بلس المعني بـمشروع “التعلم للجميع” فقال الدكتور إسماعيل الطهاروة إن الاتحاد الأوروبي يقدم عددا من مشاريع واتفاقيات التعاون التي تُعنى بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن، ومنها المشروع الموسوم بالتعليم للجميع ضمن مشاريع بناء القدرات التي تقوم على الشراكة بين مؤسسات التعليم العالي في دول الإقليم ودول الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن الهدف من هذا المشروع يتمثل بنقل خبرات الاتحاد الأوروبي للارتقاء بمستوى التعليم الجامعي ورفع سوية الخدمات المقدمة للطلبة ذوي الإعاقة في في جامعات المنطقة، وذلك من خلال دراسة أوجه القصور في الخدمات المقدمة لهم ووضع حلول لمعالجتها.
ويتم من خلال المشروع توفير منصة مجهزة بالأدوات التي تُسهم في إشراك هؤلاء الطلبة في كل مراحل وأوجه التعلم الجامعي من ناحية تلقي المعرفة وبناء قدرات التعلم والتعليم المستمر والمشاركة في حل الأعمال الفصلية وإجابة الاختبارات والمشاركة في الأنشطة والفعاليات الطلابية، وإعداد الكوادر التدريسية والإدارية وتأهيلهم للتعامل مع أشكال الإعاقة كافة.
وترتكز فكرة المشروع وفقا لما أفاد به الطهاروة على التنويع في طبيعة الخبرات بحيث تشارك أكثر من مؤسسة تعليم عالي من أكثر من دولة من دول المنطقة في المشروع يقابلها كحد أدنى عدد من مؤسسات التعليم العالي في الاتحاد الأوروبي يوازي عدد دول المنطقة المشاركة في المشروع بالنسبة لمشروع التعليم للجميع.
ولفت الطهاروة إلى أن المشروع يُدار من قبل جامعة فلسطين التقنية – خضوري بالاشتراك كليتي مجتمع من فلسطين أيضا، كما يشترك من الأردن كل من الجامعة الأردنية وجامعة إربد الأهلية، إلى جانب جامعتين من الاتحاد الأوروبي ومعهد تدريب مهني متخصص في تهيئة الكوادر التعليمية والطلاب في القضايا التي تخص التعليم العالي.
إلى ذلك يَعتبرُ أستاذ نظم المعرفة والتنقيب عن البيانات في الجامعة الدكتور حسام فارس أن تعليم الطلبة ذوي الإعاقة من المكونات الرئيسية للنظام التعليمي للمؤسسات الجامعية والأكاديمية، حيث إن دور هذه المؤسسات في إدماجهم بالمجتمع يعد أساسيا عن طريق إعدادهم للمشاركة الفعّالة في مجتمعاتهم في كافة المجالات ومساعدتهم على التكيف مع البيئة المحيطة بهم وتأهيلهم لسوق العمل.
ودعا فارس المؤسسات الجامعية والأكاديمية إلى تسخير جميع طاقاتها وإمكاناتها لدعمهم و تطوير طاقاتهم، وتذليل الصعوبات البيئية والإدارية والدراسية التي يمكن أن يواجهونها خلال فترة التحاقهم بالدراسة الأكاديمية وحتى ما بعدها.
وشدد الدعوة بضرورة أن تأخذ هذه المؤسسات على عاتقها القيام بعدة أمور لتنفيذ هذه المهمة الأساسية أهمها سن القوانين والأنظمة والتشريعات وإعداد الخطط والاستراتيجيات التي تضمن تهيئة جميع البرامج المتعلقة بتعليم الطلبة ذوي الإعاقة وتدريبهم من جهة، وأيضا ضمان سهولة الاستفادة واستخدام الخدمات والمرافق والأنشطة المقدمة من قبل هذه المؤسسات ورفع جودتها من جهة أخرى.
وتابع فارس أنه يقع على كاهل هذه المؤسسات أيضا التعاون والتنسيق المستمر مع المؤسسات والهيئات الوطنية والإقليمية والدولية التي تُعنى بشؤون دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، كما أن لها دور مهم في تعزيز الوعي لدى المجتمع بقدرات وإمكانيات هؤلاء الطلبة من خلال تنظيم المبادرات والأنشطة الثقافية والاجتماعية المنهجية منها واللامنهجية ومراقبة أدوار هذه الفئة من الطلبة فيها، وصقلها وتنميتها ودعمها.